فصل
واعلم أنه ثم أحاديث أخر لم يذكرها هذا الرافضي ، لو كانت صحيحة لدلت على مقصوده ، وفيها ما هو أدل من بعض ما ذكره لكنها كلها كذب ، والناس قد رووا أحاديث مكذوبة في فضل أبي بكر وعمر ، وعثمان ، وعلي ، ومعاوية رضي الله عنهم وغيرهم ، لكن المكذوب في فضل علي أكثر ; لأن الشيعة أجرأ على الكذب من النواصب .
قال أبو الفرج بن الجوزي [1] : " فضائل علي الصحيحة [2] كثيرة غير أن الرافضة لم تقنع فوضعت له ما يضع لا ما يرفع [3] ، وحوشيت [4] حاشيته [5] من الاحتياج [6] إلى الباطل " .
قال [7] : " فاعلم [8] أن الرافضة ثلاثة أصناف : صنف منهم [9] سمعوا [ ص: 443 ] أشياء [10] من الحديث فوضعوا أحاديث وزادوا ونقصوا ، وصنف لم يسمعوا فتراهم يكذبون على جعفر الصادق ، ويقولون : قال جعفر ، وقال [11] فلان ، وصنف [12] ثالث عوام جهلة يقولون ما يريدون مما يسوغ في العقل ، ومما لا يسوغ " .
فمن أماثل الموضوعات ما رواه ابن الجوزي [13] من طريق النسائي في كتابه الذي وضعه [14] في خصائص علي من حديث عبيد الله بن موسى : حدثنا العلاء بن صالح ، عن المنهال بن عمرو [15] ، عن عباد [16] بن عبد الله الأسدي ، قال : قال علي رضي الله عنه : أنا عبد الله ، وأخو رسول الله [17] ، وأنا الصديق الأكبر ، لا يقولها بعدي [18] إلا كاذب ، صليت قبل الناس سبع سنين " ، ورواه أحمد في " الفضائل " [19] ، وفي رواية له [20] : " ولقد أسلمت قبل الناس بسبع سنين " .
ورواه من حديث العلاء بن صالح أيضا عن المنهال بن عباد .
[ ص: 444 ] قال أبو الفرج [21] : " هذا حديث موضوع [22] ، والمتهم به عباد بن عبد الله . قال علي بن المديني : كان ضعيف الحديث ، وقال أبو الفرج : [23] " ( حماد ) [24] الأزدي : روى [25] أحاديث لا يتابع عليها ، وأما المنهال فتركه شعبة ، قال [26] أبو بكر الأثرم : سألت أبا عبد الله عن حديث علي : " أنا عبد الله وأخو رسول الله [27] " فقال : اضرب عليه ؛ فإنه حديث منكر [28] " .
قلت : وعباد يروى من طريقه عن علي ما يعلم أنه كذب عليه قطعا ، مثل هذا الحديث ، فإنا نعلم أن عليا [29] كان أبر ، وأصدق ، وأتقى لله من أن يكذب ، ويقول مثل هذا الكلام الذي هو كذب ظاهر معلوم بالضرورة أنه كذب ، وما علمنا أنه كذب ظاهر لا يشتبه ، فقد علمنا أن عليا لم يقله لعلمنا بأنه أتقى لله من أن يتعمد هذا الكذب القبيح ، وأنه ليس مما [30] [ ص: 445 ] يشتبه حتى يخطئ فيه ، فالناقل عنه إما متعمد الكذب ، وإما مخطئ غالط ، وليس قدح المبغض لعلي من الخوارج والمتعصبين لبني مروان وغيرهم مما يشككنا في صدقه وبره وتقواه ، كما أنه ليس قدح الرافضة في أبي بكر وعمر ، بل وقدح الشيعة في عثمان لا يشككنا في العلم بصدقهم وبرهم وتقواهم ، بل نحن نجزم بأن واحدا منهم لم يكن ممن يتعمد الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا هو فيما دون ذلك .
، فإذا كان المنقول عنه مما لا يغلط [31] في مثله ، وقد علمنا أنه كذب ، جزمنا بكذب الناقل متعمدا أو مخطئا .
مثل ما رواه عبد الله في " المناقب " [32] : حدثنا يحيى بن عبد الحميد [33] ، حدثنا شريك ، عن الأعمش ، عن المنهال بن عمرو [34] ، عن عباد بن عبد الله ، عن علي . وحدثنا أبو خيثمة ، حدثنا الأسود [35] بن عامر ، حدثنا شريك ، عن الأعمش ، عن المنهال بن عمرو [36] ، عن عباد بن عبد الله الأسدي ، عن علي ، قال : لما نزلت : ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) ( سورة الشعراء : 214 ) دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم رجالا من أهل بيته : إن كان الرجل منهم لآكلا جذعة ، وإن كان شاربا فرقا . . إلى آخر الحديث .
[ ص: 446 ] وهذا كذب على علي رضي الله عنه لم يروه قط ، وكذبه ظاهر من وجوه [37] .
وهذا الحديث رواه أحمد في " الفضائل [38] " : حدثنا عثمان [39] ، حدثنا أبو عوانة ، عن عثمان بن المغيرة ، عن أبي صادق ، عن ربيعة بن ناجز ، عن علي ، وهؤلاء يعلم [40] أنهم يروون الباطل .
وروى أبو الفرج [41] من طريق أجلح ، عن سلمة [42] بن كهيل ، عن حبة بن جوين [43] ، قال : سمعت عليا يقول : أنا [44] عبدت الله عز وجل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يعبده رجل من هذه الأمة خمس سنين أو سبع سنين " قال أبو الفرج : حبة لا يساوي حبة [45] فإنه كذاب ، قال يحيى : ليس بشيء [46] ، وقال السعدي : غير ثقة ، وقال ابن حبان : كان غاليا في التشيع واهيا [47] في الحديث ، وأما الأجلح فقال أحمد : قد روى غير حديث منكر . قال أبو حاتم الرازي : لا يحتج به [48] ، وقال ابن حبان : كان لا يدري ما يقول " .
[ ص: 447 ] قال أبو الفرج [49] : ومما يبطل هذه الأحاديث أنه لا خلاف في تقدم إسلام خديجة ، وأبي بكر ، وزيد [50] ، وأن عمر أسلم في سنة ست من النبوة بعد أربعين رجلا [51] ، فكيف يصح هذا .
وذكر حديثا [52] عن النبي صلى الله عليه وسلم : " ( أنا ) [53] الصديق الأكبر [54] " ، " وهو مما عملته يد أحمد بن نصر الذراع [55] ، فإنه كان كذابا يضع الحديث " .
وحديثا فيه [56] " أنا أولهم إيمانا ، وأوفاهم بعهد الله ، وأقومهم بأمر الله ، وأقسمهم بالسوية [57] ، وأعدلهم في الرعية ، وأبصرهم بالقضية [58] " قال : " وهو موضوع [59] ، والمتهم به بشر بن إبراهيم ، قال ابن عدي ، وابن حبان : كان يضع الحديث على الثقات " ، ورواه الأبزاري الحسين بن عبيد الله ، عن إبراهيم بن سعيد [60] الجوهري ، عن مأمون ، عن الرشيد ، قال : وهذا الأبرازي كان كذابا [61] .
[ ص: 448 ] وذكر حديثا [62] : " أنت أول من آمن بي ، وأنت أول من يصافحني يوم القيامة ، وأنت الصديق الأكبر ، وأنت الفاروق تفرق بين الحق والباطل ، وأنت يعسوب المؤمنين ، والمال يعسوب الكافرين ، أو يعسوب [63] الظلمة [64] " .
قال : " وهذا حديث موضوع ، وفي طريقه الأول [65] ، عباد بن يعقوب .
قال ابن حبان : يروي المناكير عن المشاهير فاستحق الترك ، وفيه علي بن هاشم ، قال ابن حبان : كان يروي المناكير عن المشاهير ، وكان غاليا في التشيع ، وفيه محمد بن عبد الله ، قال يحيى : ليس بشيء [66] ، وأما الطريق الثاني ففيه أبو الصلت الهروي ، كان كذابا رافضيا [67] خبيثا ، فقد اجتمع عباد وأبو الصلت في روايته [68] ، والله أعلم بهما أيهما سرقه من صاحبه " .
قلت : لعل الآفة فيه من محمد بن عبد الله .
وروي عن طريق ابن عباس ، وفيه عبد الله بن زاهر [69] ، قال ابن معين : ليس بشيء ، لا يكتب عنه إنسان في خير ، قال أبو الفرج بن الجوزي : " كان غاليا في الرفض " .


