قوله تعالى: (أولم تؤمن) أي: أولست قد آمنت أني أحيي الموتى؟ وقال ابن جبير: ألم توقن بالخلة؟
قوله تعالى: (بلى ولكن ليطمئن قلبي) "اللام" متعلقة بفعل مضمر ، تقديره: ولكن سألتك ليطمئن ، أو أرني ليطمئن قلبي ، ثم في المعنى أربعة أقوال . أحدها: لأعلم أنك تجيبني إذا دعوتك ، قاله ابن عباس . والثاني: ليزداد قلبي يقينا ، قاله سعيد بن جبير . وقال الحسن: كان إبراهيم موقنا ، ولكن ليس الخبر كالمعاينة . والثالث: ليطمئن قلبي بالخلة ، روي عن ابن جبير أيضا . والرابع: أنه كان قلبه متعلقا برؤية إحياء الموتى ، فأراد: ليطمئن قلبه بالنظر ، قاله ابن قتيبة . وقال غيره: كانت نفسه تائقة إلى رؤية ذلك ، وطالب الشيء قلق إلى أن يظفر بطلبته ، يدل على أنه لم يسأل لشك ، أنه قال: (أرني كيف تحي الموتى) وما قال: هل تحيي الموتى .
[ ص: 314 ] قوله تعالى: فخذ أربعة من الطير في الذي أخذ سبعة أقوال . أحدها: أنها الحمامة ، والديك ، والكركي ، والطاووس ، رواه عبد الله بن هبيرة عن ابن عباس . والثاني: أنها الطاووس ، والديك ، والدجاجة السندية ، والأوزة ، رواه الضحاك عن ابن عباس . وفي لفظ آخر ، رواه الضحاك مكان الدجاجه السندية الرأل ، وهو فرخ النعام . والثالث: أنها الشعانين ، وكانت قرباهم يومئذ ، رواه أبو صالح عن ابن عباس . والرابع: أنها الطاووس ، والنسر ، والغراب ، والديك ، نقل عن ابن عباس أيضا . والخامس: أنها الديك ، والطاووس والغراب ، والحمام ، قاله عكرمة ، ومجاهد ، وعطاء وابن جريج ، وابن زيد . والسادس: أنها ديك ، وغراب ، وبط ، وطاووس ، رواه ليث عن مجاهد . والسابع: أنها الديك ، والبطة ، والغراب ، والحمامة ، قاله مقاتل . وقال عطاء الخراساني: أوحى الله إليه أن خذ بطة وغرابا أسود ، وحمامة بيضاء ، وديكا أحمر .
قوله تعالى: (فصرهن إليك) قرأ الجمهور بضم الصاد ، والمعنى: أملهن إليك ، يقال: صرت الشيء فانصار ، أي: أملته فمال ، وأنشدوا:
الله يعلم أنا في تلفتنا يوم الفراق إلى جيراننا صور
فمعنى الكلام: اجمعهن إليك . ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا فيه إضمار قطعهن . قال ابن قتيبة: أضمر "قطعهن" واكتفى بقوله: ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا عن قوله "قطعهن" لأنه يدل عليه ، وهذا كما تقول: خذ هذا الثوب ، واجعل على كل رمح عندك منه علما . يريد: قطعه ، وافعل ذلك ، وقرأ أبو جعفر ، وحمزة ، وخلف ، [ ص: 315 ] والمفضل ، عن عاصم (فصرهن إليك) بكسر الصاد . قال اليزيدي: هما واحد ، وقال ابن قتيبة: الكسر والضم لغتان . قال الفراء: أكثر العرب على ضم الصاد ، وحدثني الكسائي أنه سمع بعض بني سليم يقول: صرته ، فأنا أصيره . وروي عن ابن عباس ، ووهب ، وأبي مالك ، وأبي الأسود الدؤلي ، والسدي ، أن معنى المكسورة الصاد: قطعهن . وروي عن أبي عبيدة أنه قال: معناه بالضم: اجمعهن ، وبالكسر: قطعهن .
قوله تعالى: ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا قال الزجاج: معناه: اجعل على كل جبل من كل واحد منهن جزءا . وروي عوف عن الحسن قال: اذبحهن ونتفهن ، ثم قطعهن أعضاء ، ثم خلط بينهن جميعا ، ثم جزئها أربعة أجزاء ، وضع على كل جبل جزءا . ثم تنحى عنهن ، فدعاهن ، فجعل يعدو كل عضو إلى صاحبه حتى استوين كما كن ، ثم أتينه يسعين . وقال قتادة: أمسك رؤوسها بيده ، فجعل العظم يذهب إلى العظم ، والريشة إلى الريشة ، والبضعة إلى البضعة ، وهو يرى ذلك ، ثم دعاهن ، فأقبلن على أرجلهن يلقي لكل طائر رأسه . وفي عدد الجبال التي قسمن عليها قولان . أحدهما: أنه قسمهن على أربعة أجبل ، قاله ابن عباس ، والحسن ، وقتادة . وروي عن ابن عباس قال: جعلهن أربعة أجزاء في أرباع الأرض ، كأنه يعني جهات الإنسان الأربع . والثاني: أنه قسمهن سبعة أجزاء على سبعة أجبل ، قاله ابن جريج ، والسدي .
قوله تعالى: ثم ادعهن يأتينك سعيا قال ابن قتيبة: يقال: عدوا ، ويقال: مشيا على أرجلهن ، ولا يقال: لطير إذا طار: سعى (واعلم أن الله عزيز) أي: منيع لا يغلب ، (حكيم) فيما يدبر . ويزعم مقاتل أن هذه القصة جرت لإبراهيم بالشام قبل أن يكون له ولد ، وقبل نزول الصحف عليه ، وهو ابن خمس وسبعين سنة .


