لم يتعرضوا للإمام إذا أراد أن يقتدي بآخر ويعرض عن الإمامة ، وهذه وقعت للصديق مع النبي صلى الله عليه وسلم لما ذهب للصلح بين جماعة من الأنصار وفي مرض موته ثم جاء وهو في الصلاة ، فأخرج نفسه من الإمامة واقتدى بالنبي صلى الله عليه وسلم ، والصحابة أخرجوا أنفسهم عن الاقتداء به واقتدوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وقضية استدلالهم بالأول للأظهر كما مر جواز ذلك بل الاتفاق عليه ، والثاني ظاهر ا هـ ملخصا .
ونظر فيه لما في المجموع أن أبا بكر استخلف النبي صلى الله عليه وسلم فلم تحتج الصحابة لنية ، لكن بفرض ذلك يحصل ما قاله الجلال البلقيني في الأول ; لأنه نوى الاقتداء به صلى الله عليه وسلم بعد الاستخلاف فينتج أنه أخرج نفسه من الإمامة ثم نوى الاقتداء ، ومما يؤيد كلام الجلال ما سيأتي في الاستخلاف أنه ممنوع قبل الخروج من الصلاة ، وقضية قول القفال : لو اقتدى الإمام بآخر ففي بطلان صلاته قولان ، كما لو أحرم منفردا [ ص: 239 ] ثم نوى جماعة موافقة ما قاله الجلال من الجواز ; لأنه هو الراجح في المسألة ، وبنى القفال على الجواز تصيير المقتدين به منفردين وأن لهم الاقتداء بمن اقتدى به مستدلا بقصة أبي بكر ، وفي ذلك تصريح منه بما مر عن الجلال من أنها من قبيل إنشاء القدوة لا الاستخلاف ، وفي الخادم ما يؤيد ذلك .
ومعنى رواية : والناس يقتدون بأبي بكر : أنه كان يسمعهم تبليغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذ القدوة بالمأموم ممتنعة بالاتفاق ، وبما مر في تأخر الإمام يعلم أن محل جميع ما ذكر إنما يجيء حيث لم يثبت أن أبا بكر تخلف عنه صلى الله عليه وسلم بعد اقتدائه به ، وإلا فهو بتأخره تنقطع إمامته ولم يكن مستخلفا ولا قاطعا للإمامة بنية اقتداء بالغير ، وإنما قاطعها حينئذ تأخره ، ثم لما تقدم عليه الصلاة والسلام نوى أبو بكر الاقتداء به لصيرورته منفردا بتأخره ، وحينئذ بطلت إمامته بالنسبة للصحابة لنية الائتمام بغيره فنووا الاقتداء به صلى الله عليه وسلم ، ومن تأمل ذلك علم ما في كلام الجلال وغيره مما تقرر ، كذا قيل وفيه نظر ; لأنه لم يثبت أنه تأخر عن جميع القوم ، فالأوجه ما قاله الجلال من أنه أخرج نفسه [ ص: 240 ] بالنية ، ومقابل الأظهر لا يجوز وتبطل به الصلاة ، وقيد المصنف المسألة بإحرامه منفردا ; لأنه إذا افتتحها في جماعة جاز بلا خلاف كما في المجموع .


