ويجب السعي على بعيد الدار إلى الجمعة قبل الزوال بمقدار يتوقف فعلها عليه ، ويستحب الإتيان إليها ( ماشيا ) لخبر { من غسل يوم الجمعة واغتسل وبكر وابتكر ومشى ولم يركب ودنا من الإمام واستمع ولم يلغ كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها } وتخفيف غسل أرجح من تشديده ، ومعناهما غسل : إما حليلته بأن جامعها فألجأها إلى الغسل ، إذ يسن له الجماع في هذا اليوم ليأمن أن يرى في طريقه ما يشغل قلبه أو أعضاء وضوئه بأن توضأ ثم اغتسل للجمعة ، أو ثيابه ورأسه ثم اغتسل وغسل الرأس لأنهم كانوا يجعلون فيه نحو دهن وخطمي وكانوا يغسلونه ثم يغتسلون وتخفيف بكر أشهر ، ومعناه : خرج من بيته باكرا ، ومعنى المشدد : أتى للصلاة أول وقتها وابتكر : أي أدرك أوان الخطبة ، وقيل هما بمعنى جمع بينهما تأكيدا ، وأفاد قوله ولم يركب نفي توهم حمل المشي على المضي وإن كان راكبا ونفي احتمال إرادة المشي ولو في بعض الطريق ، وقيل هو تأكيد . ذكر كل ذلك في شرح المهذب ، واختير الأخير من الأوجه الثلاثة في غسل لخبر أبي داود { من غسل رأسه يوم الجمعة } .
وأن يكون مشيه ( بسكينة ) إن لم يضق الوقت لخبر { إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون وأتوها وعليكم السكينة } وفي رواية { ائتوها وأنتم تمشون } وهذا يبين أن المراد بالسعي في الآية المضي كما قرئ به شاذا ، [ ص: 338 ] ويكره العدو إليها كسائر العبادات ، فإن ضاق الوقت وجب الإسراع إذا لم يدركها إلا به كما قاله المحب الطبري : أي وإن لم يلق به ، ويحتمل خلافه أخذا من أن فقد بعض اللباس اللائق به عذر ، وكما يستحب عدم الركوب هنا إلا لعذر يستحب أيضا في العيد والجنازة وعيادة المريض ، وقيده الرافعي بالذهاب ، ورده ابن الصلاح لخبر مسلم { أنهم قالوا لرجل : هل نشتري لك حمارا تركبه إذا أتيت إلى الصلاة في الرمضاء والظلماء ؟ فقال : إني أحب أن يكتب لي ممشاي في ذهابي وعودي ، فقال صلى الله عليه وسلم : قد فعل الله لك ذلك } أي كتب لك ممشاك : أي أفضليته .
وأجيب بأن المعنى : كتب لك ذلك في مجموع الأمرين لا في كل منهما ، جمعا بين هذا الخبر وخبر { أنه صلى الله عليه وسلم ركب في رجوعه من جنازة أبي الدحداح } رواه ابن حبان وغيره وصححوه ، على أنه يمكن أن يكون فعله لبيان الجواز فلا يخرج به الحديث عن ظاهره .
ومن ركب لعذر أو غيره سير دابته بسكون كالماشي ما لم يضق الوقت ، ويشبه أن يكون الركوب أفضل لمن يجهده المشي لهرم أو ضعف أو بعد منزله بحيث يمنعه ما يناله من التعب الخشوع والحضور في الصلاة عاجلا .


