يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزؤا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء . واتقوا الله إن كنتم مؤمنين وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزؤا ولعبا ذلك بأنهم قوم لا يعقلون .
[ ص: 241 ] استئناف هو تأكيد لبعض مضمون الكلام الذي قبله ، فإن قوله : يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء تحذير من موالاة أهل الكتاب ليظهر تميز المسلمين . وهذه الآية تحذير من موالاة اليهود والمشركين الذين بالمدينة ، ولا مدخل للنصارى فيها ، إذ لم يكن في المدينة نصارى فيهزءوا بالدين .
وقد عدل عن لفظ اليهود إلى الموصول والصلة وهي الذين اتخذوا دينكم هزؤا إلخ لما في الصلة من الإيماء إلى تعليل موجب النهي .
والدين هو ما عليه المرء من عقائد وأعمال ناشئة عن العقيدة ، فهو عنوان عقل المتدين ورائد آماله وباعث أعماله ، فالذي يتخذ دين امرئ هزؤا فقد اتخذ ذلك المتدين هزؤا ورمقه بعين الاحتقار ، إذ عد أعظم شيء عنده سخرية ، فما دون ذلك أولى . والذي يرمق بهذا الاعتبار ليس جديرا بالموالاة ، لأن شرط الموالاة التماثل في التفكير ، ولأن الاستهزاء والاستخفاف احتقار ، والمودة تستدعي تعظيم المودود .
وأريد بالكفار في قوله : " والكفار " المشركون ، وهذا اصطلاح القرآن في إطلاق لفظ الكفار . والمراد بذلك المشركون من أهل المدينة الذين أظهروا الإسلام نفاقا مثل رفاعة بن زيد ، وسويد بن الحارث ، فقد كان بعض المسلمين يوادهما اغترارا بظاهر حالهما . روي عن ابن عباس : أن قوما من اليهود والمشركين ضحكوا من المسلمين وقت سجودهم . وقال الكلبي : كانوا إذا نادى منادي رسول الله قالوا : صياح مثل صياح العير ، وتضاحكوا ، فأنزل الله هذه الآية .
[ ص: 242 ] وقرأ الجمهور " والكفار " بالنصب عطفا على الذين اتخذوا دينكم المبين بقوله : من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم . وقرأ أبو عمرو ، والكسائي ، ويعقوب " والكفار " بالخفض عطفا على الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ، ومآل القراءتين واحد .
وقوله : واتقوا الله إن كنتم مؤمنين أي احذروه بامتثال ما نهاكم عنه . وذكر هذا الشرط استنهاض للهمة في الانتهاء ، وإلهاب لنفوس المؤمنين ليظهروا أنهم مؤمنون ، لأن شأن المؤمن الامتثال . وليس للشرط مفهوم هنا ، لأن الكلام إنشاء ولأن خبر " كان " لقب لا مفهوم له إذ لم يقصد به الموصوف بالتصديق ، ذلك لأن نفي التقوى لا ينفي الإيمان عند من يعتد به من علماء الإسلام الذين فهموا مقصد الإسلام في جامعته حق الفهم .
وإذا أريد بالموالاة المنهي عنها الموالاة التامة بمعنى الموافقة في الدين فالأمر بالتقوى ، أي الحذر من الوقوع فيما نهوا عنه معلق بكونهم مؤمنين بوجه ظاهر . والحاصل أن الآية مفسرة أو مؤولة على حسب ما تقدم في سالفتها ومن يتولهم منكم فإنه منهم .
والنداء إلى الصلاة هو الأذان ، وما عبر عنه في القرآن إلا بالنداء . وقد دلت الآية على أن الأذان شيء معروف ، فهي مؤيدة لمشروعية الأذان وليست مشرعة له ، لأنه شرع بالسنة .
وقوله : ذلك بأنهم قوم لا يعقلون تحقير لهم إذ ليس في النداء إلى الصلاة ما يوجب الاستهزاء; فجعله موجبا للاستهزاء سخافة لعقولهم .


