الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تخرجت من تخصص لا أحبه وأفكر في دراسة الشريعة من جديد، فما رأيكم؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

لقد تخرجت في كلية الآداب، قسم الترجمة -إنجليزي-، بمعدل جيد جدًا -ولله الحمد-، ولكن عندما دخلت سوق العمل شعرت بالإحباط؛ لأني لم أحب المجال كثيرًا، لأسباب منها: الاختلاط، مع أني أضع حدودًا في التعامل والحديث، ومع ذلك فله مستقبل، وفرص في التوظيف والتدريس.

حاليًا أشعر بالأسى؛ لأني لم أدخل كلية الشريعة التي أحبها، وأميل لها، وأبدع فيها، وهي العلوم التي مدحها الله في الكتاب والسنة، لأنه لم يكن هناك فرصة تتسع لي للأسف الشديد، كما أن أهلي يعارضون دخولي لكلية الشريعة، ويقولون لي: تمسكي بشهادتك، وادرسي الدين الإسلامي مع نفسك كهواية.

أنا حائرة، ولا أعلم ماذا أفعل! هل أكمل في تخصص الترجمة، أم أدرس الشريعة لمدة 4 سنوات أخرى لكي أكون مدرسة شريعة إسلامية؟ وما هي الجامعات التي يمكن أن أدرس فيها، وأستفيد من شهادتها؟ وهل عدم دخولي كلية الشريعة غضب من الله؟ وهل الذي دخل كلية الشريعة أقرب وأحسن إلى الله من الذي دخل كليةً أخرى؟ أشعر بالحزن والأسى بسبب هذا الموضوع.

أفيديوني بارك الله فيكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ بنت مسلمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بكِ -أختنا الفاضلة- في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكِ لصالح القول والعمل.

نهنئكِ على تخرجكِ بتفوق، ونسأل الله العظيم أن يجعله عونًا لكِ على طاعته، وأن يستعملكِ في خدمة دينه، ونفع عباده.

بدايةً: من الطبيعي جدًا أن يشعر الإنسان بالإحباط حين يجد نفسه في مسارٍ لا يلامس شغفه؛ فالشغف هو وقود الإنجاز والتميز، وحرصك على التزامك بالضوابط الشرعية في بيئة العمل هو دليل وعي وخير فيك، فالأصل بالمرأة المسلمة هو القرار في بيتها، أو العمل في بيئة تحفظ عليها دينها وحياءها، فإن اضطرت للخروج، فالتزامها بالحجاب والحدود الشرعية هو حصنها لإرضاء الله تعالى.

أختي الفاضلة: سنوضح لك بعض النقاط المهمة التي ستساعدك في اتخاذ القرار المناسب -بإذن الله تعالى-:

أولًا: حكمة الله في اختياره لكِ: قد يكون حرمانكِ من دراسة الشريعة كتخصص أكاديمي بابًا لخيرٍ لا تعلمينه، وتذكري دائمًا قول الله تعالى: (وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ).

فالله بعلمه وحكمته قد يصرف عنكِ أمرًا تحبينه، ليفتح لكِ أبوابًا من الخير في مسارٍ آخر لم يكن في حسبانكِ، كما أن نيتكِ الصادقة في طلب العلم الشرعي قد كتب الله لكِ أجرها، ففي الحديث: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى"، فأحسني الظن بالله تعالى، وبما يهيئه لك من خير.

ثانيًا: كل علم نافع هو عبادة: اعلمي أن الإسلام بناءٌ متكاملٌ يحتاج إلى سواعد أبنائه في كل الميادين، فكما يحتاج إلى العالم الفقيه، يحتاج إلى الطبيب المسلم، والمهندس المتقن، والمترجم الأمين الذي يسد ثغرةً عظيمةً في بناء جسد الأمة؛ لذلك تخصصكِ في الترجمة ليس بعيدًا عن خدمة الدين؛ فكم من الخير يمكن أن يصل للعالمين بترجمةٍ رصينةٍ لكتب العلم، أو دعوة غير المسلمين، أو الدفاع عن الإسلام في زمن اشتدت فيه الهجمة على كل ما هو من قيم الدين.

ثالثًا: هل يمكنك أن تجمعي بين الأمرين بدلًا من الحزن على ما فات؟ انظري إلى ما هو آتٍ وكيف يمكنكِ تحقيق حلمكِ بطرقٍ مبتكرة وواقعية من خلال التالي:

• اصنعي جسرًا بين التخصصين: هنا تكمن نقطة قوتكِ الحقيقية؛ فيمكنكِ أن تكوني مترجمةً متخصصةً في العلوم الإسلامية، وهذا مجال نادر ومطلوب، وبه تخدمين الدين خدمةً جليلةً، وتستخدمين مهارتكِ التي أتقنتيها.

• طلب العلم الشرعي ليس حكرًا على الجامعة الأكاديمية؛ فأبواب العلم الشرعي المنهجي مفتوحة، ويسيرة، ومتاحة أكثر من أي وقت مضى، وهناك من يقدم العلم الشرعي من أمثال:

1- الجامعات المفتوحة: وهي جامعات تمنح شهادات معتمدة عن بعد، فيمكنك البحث والسؤال عنها.
2- الأكاديميات المنهجية: منصات قوية تقدم برامج علمية متكاملة (مثل أكاديمية زاد).
3- الدبلومات المتخصصة: دراسات مكثفة في فروع معينة من العلم الشرعي.
4- حلقات العلم: البحث عن دروس منهجية للعلماء الموثوقين في بلدكِ أو عبر الإنترنت.

رابعًا: قرار الدراسة من جديد: إذا فكرتِ في إعادة الدراسة الجامعية، فهذا قرار مصيري يحتاج إلى نظرة واقعية لأبعاده -الوقت، الجهد، المال، التأثير على حياتكِ المستقبلية- بعيدًا عن العاطفة، فقد يكون الشغف دافعًا لك لإعادة الدراسة، لكن قد تصدمين بأن واقعك لا يسمح، أو الظروف والأعباء لا تساعدك الآن، فقرار إعادة الدراسة يحتاج لدراسة متأنية تناقشين فيها جوانب القوة والضعف، والدوافع والأهداف، ثم دراسة لكل الجوانب التي تواجهك قبل وأثناء وبعد اتخاذ هذا القرار.

خامسًا: ما يتعلق بأسئلتك المباشرة، هل عدم دخولي كلية الشريعة غضب من الله؟
لا، ليس بالضرورة أبدًا؛ فمقياس رضا الله هو التقوى، وصلاح النية والعمل، وليس التخصص الجامعي، بل قد يكون العلم الشرعي حجةً على صاحبه إن لم يعمل به، ويخلص النية لله، وقد جاء في صحيح مسلم أن أول من تُسعّر بهم النار يوم القيامة عالمٌ لم يخلص النية لله، فالعبرة ليست بمجرد دراسة العلم، بل بالإخلاص فيه والعمل به.

هل طالب الشريعة أفضل عند الله؟
لا شك أن علم الشريعة من أشرف العلوم، لكن صدق النية، والإخلاص، والعمل، ونفع عباد الله قد يجعل علوم الدنيا ترفع الإنسان مكانًا عاليًا عند الله، فالعبرة في تقوى القلب، وإخلاص النية، والعمل الصالح، فقد يكون طبيبًا، أو مترجمًا، أو مهندسًا أتقن عمله، ونوى به نفع المسلمين أقرب إلى الله من طالب علم شرعي، داخله الرياء أو الكبر.

أخيرًا -أختي الفاضلة-: أنت قادرة على الإبداع والتميز بما لديك من تخصص، وهذا بحد ذاته سيحقق لك الرضا، والشعور بالإنجاز والعطاء الذي يذهب الحزن والألم في النفس، فقط ابحثي عن جوانب استثماره فيما يرضي الله تعالى ويخدم دينه، ولا تنظري إليه أنه بعيد عن الشريعة، وستجدين أنه باب واسع لخدمة الدين، ونشر الإسلام.

أكثري من الدعاء والاستخارة في كل خطوة تقدمين عليها؛ فهي من أعظم ما يريح القلب، ويحقق الهدوء النفسي.

وفقك الله، ويسر أمرك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً